فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ لِلْمُلْتَقِطِ بِالإِشْهَادِ عَلَى مَا الْتَقَطَهُ وَفِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ مَا هُوَ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْرُفٍ

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَارُودِ الْبَغْدَادِيُّ قَالاَ‏:‏ ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْرُفٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَنَا قَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلاَثَةَ الأَحْرُفَ قَوْلٌ يُقَالُ وَيَقِينٌ يُوقَنُ بِهِ وَعَمَلٌ يُعْمَلُ بِهِ‏,‏ وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَب إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَكَانَ أَوْلَى مِمَّا قَالُوا فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا قَدْ رَوَى عَنْهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِمَّا حَكَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُلُوسِ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَسَارِهِ وَمِنْ قَوْلِ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم لَهُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَمِنْ قَوْلِ مِيكَائِيلَ لَهُ اسْتَزِدْهُ فَقَالَ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَيْنَ إطْلاَقِ عَدَدٍ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ وَيُخَاطِبُهُمْ بِهِ لِيَقِفُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ وَتَوْسِعَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَيَسْمَعُ سَمُرَةُ مِنْهُ الْحُرُوفَ الَّتِي كَانَ أَطْلَقَ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَيْهَا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثَةُ أَحْرُفٍ لاَ أَكْثَرُ مِنْهَا ثُمَّ مَضَى ثُمَّ أَطْلَقَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى تَتِمَّةَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ سَمُرَةُ فَرَوَى مَا سَمِعَ وَقَصَرَ عَمَّا فَاتَهُ مِنْهَا مِمَّا قَدْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فَحَدَّثَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُ وَمِنْهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ أَوْلَى بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِمَّنْ سِوَاهُ مِمَّنْ قَصَرَ عَنْهَا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْخَطِّ الْمُخْتَلِفَةِ

حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ قَالَ‏:‏ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَأُ‏؟‏ قُلْت عَلَى الْقِرَاءَةِ الآُولَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَلْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ الآخِرَةُ إنَّ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَرَضَهُ مَرَّتَيْنِ فَشَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَا نَسَخَ مِنْهُ وَمَا بَدَّلَ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ‏:‏ أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ أَنَا شَرِيكٌ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَتِلْكَ الْقِرَاءَةُ الآخِرَةُ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ‏:‏ أَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِهِ‏:‏ أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ آخِرًا قَالُوا‏:‏ قِرَاءَةَ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ لاَ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ الْقِرَاءَةَ عَلَى جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ سَنَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ السَّنَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَشَهِدَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَتْ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللهِ آخِرًا قَالَ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْقِرَاءَةِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَيْهَا مِمَّا هِيَ فِي الْخَطِّ مُؤْتَلِفَةٌ‏,‏ وَفِي أَلْفَاظِهِمْ بِهَا مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا قوله تعالى ‏{‏إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فَتَثَبَّتُوا وَمِنْهَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ‏,‏ وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ‏:‏ فَتَثَبَّتُوا‏.‏

وَمِنْهَا قوله تعالى ‏{‏وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا‏}‏ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا وَمِنْهَا قوله تعالى ‏{‏وَانْظُرْ إلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نَنْشُزُهَا‏}‏ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ نُنْشِزُهَا وَمِنْهَا أَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَدْ قَرَأَهَا أَهْلُ الْقِرَاءَاتِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا‏,‏ وَلَمْ يُعَنِّفْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي خِلاَفِهِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى مَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ الْمَصَاحِفُ الَّتِي تَوَلَّى اكْتِتَابَهَا مَنْ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَمْرِ مَنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَمِنْ حُضُورِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ نَقَلُوا إلَيْنَا عَنْهُ الإِسْلاَمَ وَشَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي قَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْنَا بِهَا‏,‏ وَكَانَ مَنْ خَرَجَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى خِلاَفِهِ مَارِقًا‏,‏ وَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ بِهِ كَافِرًا وَكَانَ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ‏,‏ وَإِلَى الإِقْرَارِ بِمَا كَانَ جَحَدَهُ‏,‏ وَإِلَى لُزُومِ مَا قَدْ كَانَ عَلَيْهِ لُزُومُهُ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ‏,‏ وَإِنْ تَمَادَى عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَا دَعَوْنَاهُ إلَيْهِ قَتَلْنَاهُ كَمَا نَقْتُلُ سَائِرُ الْمُرْتَدِّينَ وَكَانَتْ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلاَفَهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهَا إنَّمَا تُوَصِّلُ إلَى حَقَائِقِهَا لَوْ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ الْمُكْتَتَبُ ذَلِكَ فِيهَا قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا نَقْطُهَا أَوْ شَكْلُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْخَطِّ وَخِلاَفُهُ فِي اللَّفْظِ‏,‏ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَتَبُوهَا رضوان الله عليهم تَرَكُوا ذَلِكَ كَرَاهَةً مِنْهُمْ أَنْ يَخْلِطُوا بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَهُ حَتَّى كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كِتَابَ فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَالتَّعْشِيرَ وَالتَّخْمِيسَ‏,‏ وَآرَاؤُهُمْ رضوان الله عليهم حُجَّةٌ‏,‏ وَالْقَوْلُ بِمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ غَيْرُ مَحْمُودٍ ثُمَّ احْتَمَلَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الأَلْفَاظ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِهَا فَأَخَذَهَا عَنْهُ كَمَا سَمِعَهُ يَقْرَأُ بِهَا ثُمَّ عَرَضَ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَبَدَّلَ بَعْضَهَا ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي رَدَّ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَحَضَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ فَقَرَأَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مَا قَرَأَ مِنْ تِلْكَ الْحُرُوفِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ الْقِرَاءَةَ الآُولَى وَغَابَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَ الْقِرَاءَةَ الآُولَى‏.‏

وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَحْكَامِ مِمَّا نَسَخَهُ اللَّهُ، تَعَالَى، بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ بِمَا نَسَخَهُ بِهِ وَمِمَّا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الأَوَّلِ وَعَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي فَصَارَ إلَى الْحُكْمِ الثَّانِي وَغَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحُكْمِ الثَّانِي مِمَّنْ حَضَرَ الْحُكْمَ الأَوَّلَ وَعَلِمَهُ فَثَبَتَ عَلَى الْحُكْمِ الأَوَّلِ‏,‏ وَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى فَرْضِهِ وَعَلَى مَا يُعْتَدُّ بِهِ فَمِثْلُ تِلْكَ الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا‏,‏ وَذَكَرْنَا اخْتِلاَفَهُمْ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحْمُودٌ وَالْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا فَعَنْ اللهِ، تَعَالَى، لاَ يَجِبُ تَعْنِيفُ مَنْ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَخَالَفَ مَا سِوَاهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ فَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ مَا قَصَرَ عَنْهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ ‏(‏ح‏)‏ وَثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالاَ أَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ عَنْ قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ صلى الله عليهما وسلم أَنَّهُمَا بَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إذَا بَصَرَ الْخَضِرُ غُلاَمًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ حَتَّى انْتَهَى مِنْهُ إلَى سُؤَالِ الْخَضِرِ مُوسَى صلى الله عليهما وسلم عَمَّا كَانَ مِنْهُ مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَإِلَى قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ‏:‏ وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً وَقَدْ رُوِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلاَفِ هَذَا الْحَرْفِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ‏:‏ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنِي رَقَبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَكَانَ ‏"‏ زَكِيَّةً ‏"‏ زَاكِيَةً‏.‏

وَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّائِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ عَنْ رَقَبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ الْغُلاَمُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ أَدْرَكَ لاََرْهَقَ أَبَوَاهُ طُغْيَانًا وَكُفْرًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي زَكِيَّةٍ وَفِي زَاكِيَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِ زَاكِيَةً لاَ بِ زَكِيَّةً كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ مَكَانَ زَكِيَّةً فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ زَاكِيَةً‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا الْحَرْفُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهُ فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِ زَكِيَّةً فَمِمَّنْ قَرَأَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ‏:‏ عَاصِمٌ وَالأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَمِمَّنْ قَرَأَ مِنْهُمْ زَاكِيَةً فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا‏:‏ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا زَاكِيَةٌ‏;‏ لأَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْوِيلِ وَيَقُولُ الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَنْ تُذْنِبَ قَطُّ وَالزَّكِيَّةُ الَّتِي قَدْ أَذْنَبَتْ ثُمَّ غُفِرَ لَهَا‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ الْخَضِرُ قَتَلَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْحِنْثَ قَالَ‏:‏ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الإِجَازَةِ وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَرَاهُمَا لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَكَانَ مَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فِيهِ مِمَّا وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ نَعُودُ قَائِلِينَ لأَبِي عُبَيْدٍ فَنَقُولُ لَهُ أَمَّا هَذَا الْمَقْتُولُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَدْ سُمِّيَ غُلاَمًا فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى غُلاَمًا وَهُوَ بَالِغٌ‏,‏ وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَقَدْ يَكُونَ ذَلِكَ الإِدْرَاكُ الاِحْتِلاَمَ‏,‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِلاَفَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِالأَشْيَاءِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي يُرْهِقُ أَبَوَيْهِ بِهَا الطُّغْيَانُ وَالْكُفْرُ‏.‏

وَفِي الآيَةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَالِغًا وَهُوَ قَوْلُ اللهِ، تَعَالَى، حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فِي خِطَابِهِ لِنَبِيِّهِ الْخَضِرِ عليه السلام ‏{‏أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ‏}‏ أَيْ أَنَّهَا لَوْ قَتَلَتْ نَفْسًا لَكَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِقَتْلِهَا بِهَا فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُلُوغُهَا وَصَارَتْ زَكَاتُهَا بِطَهَارَتِهَا وَقَدْ شَدَّ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ، تَعَالَى، فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ ‏{‏لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا‏}‏ أَيْ طَاهِرًا فَوَصْفُهُ أَنَّهُ زَكِيٌّ بِغَيْرِ ذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى غَفَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ بِهِ فَسَادُ مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الزَّكِيَّةِ وَالزَّاكِيَةِ وَفِي تَثْبِيتِ مَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ إنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْعَرَبُ قَدْ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فَتَقُولُ الْقَاصِي وَالْقَصِيُّ وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الأَعْرَابِ فِي خِطَابِهِ لِزَوْجَتِهِ فِي وَلَدٍ وَلَدَتْهُ فَأَنْكَرَهُ لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ أَوْ تَحْلِفِي بِرَبِّك الْعَلِيِّ أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ يُرِيبُنِي بِالْمَنْظَرِ التُّرْكِيِّ وَمُقْلَةٍ كَمُقْلَةِ الْكُرْكِيِّ يُرِيدُ بِالْقَصِيِّ الْقَاصِيَ وَيُرِيدُ بِالْعَلِيِّ الْعَالِيَ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فِي مَا قَدْ ذَكَرْتُهُ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ زِيَادَةُ حَرْفٍ فِي الْخَطِّ وَهِيَ الأَلِفُ الْمَوْجُودَةُ فِي زَاكِيَةٍ الْمَفْقُودَةُ فِي زَكِيَّةٍ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْتُهَا‏؟‏ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ‏:‏ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الاِخْتِلاَفِ فِي زَاكِيَةٍ وَزَكِيَّةٍ لَيْسَ حِكَايَةً عَنْ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلاَمِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لِلْخَضِرِ عليه السلام بِمَا كَلَّمَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ لِسَانُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم خِلاَفَ لِسَانِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِ وَكَانَ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنْ زَاكِيَةٍ وَمِنْ زَكِيَّةٍ حِكَايَةً عَمَّا كَانَ مِنْ مُوسَى صلى الله عليه وسلم بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ الْخَضِرُ فِي ذَلِكَ وَالْحِكَايَاتُ بِالأَلْسُنِ عَنِ الأَلْسُنِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تِلْكَ الأَلْسُنِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَى بِالأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا صلى الله عليه وسلم مِنْ جَوَابِهِ إيَّاهُ لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ آيَةً فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ قَالَ آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا إخْبَارٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ ذَكَرَهُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِاللَّيَالِيِ الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا أَيَّامُهَا وَفِي الْمَوْضِعِ الآخَرِ بِالأَيَّامِ الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا لَيَالِيهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ حِكَايَتُهُ عَنْ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِ الْغُلاَمِ الْمَقْتُولِ بِالْحَالِ الَّتِي كَانَ عِنْدَهُ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ زَكِيٌّ فِي مَعْنَى زَاكِي وَبِأَنَّهُ زَاكِي فِي مَعْنَى زَكِيٍّ ثُمَّ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهَا فَفِي بَعْضِهَا إثْبَاتُ الأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا سُقُوطُ الأَلِفِ‏,‏ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ‏,‏ وَأَنَّ مَا قُرِئَ بِهِ مِنْ تِلْكَ اللَّفْظَتَيْنِ وَاسِعٌ غَيْرُ مُعَنَّفٍ مَنْ مَالَ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ وَتَرَكَ الآُخْرَى وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَفِي الْفَاجِرِ أَنَّهُ خِبٌّ لَئِيمٌ

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُبَارَكِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ شَكٍّ ذَكَرَهُ فِي إسْنَادِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ بِغَيْرِ شَكٍّ ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ إسْنَادِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَجَدْنَا الْغِرَّ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ هُوَ الَّذِي لاَ غَائِلَةَ مَعَهُ وَلاَ بَاطِنَ لَهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ‏,‏ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَمِنْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَهِيَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَوَجَدْنَا الْفَاجِرَ ظَاهِرَهُ خِلاَفَ بَاطِنِهِ‏;‏ لأَنَّ بَاطِنَهُ هُوَ مَا يُكْرَهُ‏,‏ وَظَاهِرُهُ فَمُخَالِفٌ لِذَلِكَ كَالْمُنَافِقِ الَّذِي يُظْهِرُ شَيْئًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ مِنْهُ‏,‏ وَهُوَ الإِسْلاَمُ الَّذِي يَحْمَدُهُ أَهْلُهُ عَلَيْهِ وَيُبْطِنُ خِلاَفَهُ‏,‏ وَهُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَذُمُّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَكَانَ مَثَلُ ذَلِكَ الْخِبَّ الَّذِي يُظْهِرُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحْمُودٌ مِنْهُ حَتَّى يَحْمَدَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُبْطِنُ ضِدَّهُ مِمَّا يَذُمُّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ‏,‏ وَهُوَ الْفَاجِرُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ‏,‏ وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَ قُوَّةِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَيْسَانِيُّ قَالاَ‏:‏ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَاهِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَ قُوَّةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ قَالَ‏:‏ ابْنُ شِهَابٍ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ إِلاَّ نُبْلَ الرَّأْيِ قَالَ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ عَلَى الْقُرَشِيِّ ذِي الرَّأْيِ لاَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الرَّأْيِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُصِفَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ ذَوِي عَدَدٍ جَازَ أَنْ تُضَافَ الصِّفَةُ إلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ جَمِيعًا‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ خَاصًّا مِنْهُمْ‏.‏

وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك‏}‏ يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ‏,‏ الْكَافِرِينَ بِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ‏,‏ الْمُخَالِفِينَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْمِهِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ‏,‏ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى مُضَرَ وَاشْدُدْ وَطْأَتَك يُرِيدُ مُضَرَ الْمُخَالِفَةَ عَلَيْهِ لاَ مُضَرَ الْمُتَّبِعَةَ لَهُ وَهَذَا وَاسِعٌ فِي الْكَلاَمِ وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوْضِعٌ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ‏}‏ فَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْصَارَ اللهِ وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو أَنْصَارًا لِلَّهِ بِالتَّنْوِينِ قَالَ‏:‏ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الإِجَازَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا أَنْصَارَ اللهِ بِالإِضَافَةِ لاَ بِالتَّنْوِينِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ‏,‏ وَهُوَ قوله تعالى ‏{‏قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ أَنْصَارًا لِلَّهِ‏.‏

وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ اخْتَلَفَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَرْفِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا قَدْ حَكَيْنَا عَنْهُ فِيمَا أَجَازَهُ لَنَا عَلِيٌّ عَنْهُ وَقَالَ الْمَكِّيُّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَنَافِعٍ فِيهَا قَالَ‏:‏ ثُمَّ احْتَجَّ الْمَكِّيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ إذَا قَرَأْنَاهَا أَنْصَارَ اللهِ بِالإِضَافَةِ نَفَيْنَا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْصَارٌ سِوَاهُمْ فَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ جَائِزٌ فِي الشَّيْءِ إذَا كَثُرَ أَنْ يُضَافَ إلَى كُلِّهِ مَا كَانَ مِنْ بَعْضِهِ فَجَازَ بِذَلِكَ إنْ قِيلَ لِبَعْضِ النَّاصِرِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّهُمْ نَاصِرُو اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُ نَاصِرِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

قَالَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا نَحْنُ مُسْتَغْنُونَ عَنْ إعَادَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَيَثْبُتَ بِمَا ذَكَرْنَا الاِخْتِيَارَ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ اُنْظُرُوا إلَى قُرَيْشٍ وَاسْمَعُوا مِنْ قَوْلِهِمْ وَذَرُوا فِعْلَهُمْ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحْرِزٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى قُرَيْشٍ فَاسْمَعُوا مِنْ قَوْلِهِمْ وَذَرُوا فِعْلَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْمُرَادِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الْمَأْمُورَ بِالاِسْتِمَاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ هُمْ ذَوُو الْقَوْلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسْتَمَعَ لاَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْقَوْلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسْتَمَعَ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ وَذَرُوا فِعْلَهُمْ هُوَ أَيْضًا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَوِي الْفِعْلِ الْمَذْمُومِ لاَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الْفِعْلِ الْمَحْمُودِ‏,‏ وَاَللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الاِخْتِيَارِ مِمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ قوله تعالى ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏}‏ أَوْ مِنْ ضُعْفٍ عَلَى مَا قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ قَالاَ‏:‏ ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا فَرَدَّ عَلَيَّ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ لِي قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَرَأْتَ عَلَيَّ فَرَدَّ عَلَيَّ كَمَا رَدَدْتُ عَلَيْك‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُهُ وَفِيهِ رَدُّهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ضَعْفًا مَكَانَ قِرَاءَتِهِ ضَعْفًا‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْقُرَّاءُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى ضَعْفٍ وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى ضُعْفٍ فَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ الأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا لِلنَّاسِ أَنْ يَقْرَءُوا الْقِرَاءَةَ الآُخْرَى‏;‏ لأَنَّ مُحَالاً عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا قَرَءُوهَا إِلاَّ مِنْ حَيْثُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهَا وَلأَنَّهُ قَدْ قَرَأَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ هَذَا الْحَرْفَ عَلَى مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ مَنْ قَرَأَهَا ضَعْفًا‏.‏

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الاِخْتِلاَفُ كَانَ فِي ذَلِكَ جَاءَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ مِمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ فَيَأْخُذُونَهُ عَنْهُ كَمَا يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَيُبَدِّلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُبَدِّلُ فَيَكُونُ أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْ لَحِقَهُ التَّبْدِيلُ‏,‏ وَيَكُونُ الْمَعْنَى الآخَرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ مَكَانَ الْمَعْنَى الأَوَّلِ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَرْوُوهُ نَصًّا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَّسَعَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَرْفَيْنِ غَيْرَ أَنَّ مَا فَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَعْنَى الآخَرُ مِنْهُمَا بِحِكَايَةِ مَنْ حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَدِّهِ إيَّاهُ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ الْحَرْفَ الآخَرَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحَرْفَيْنِ بِالاِخْتِيَارِ أَوْلَى وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا الْحَرْفِ فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ وَمِمَّنْ قَرَأَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَتْحِ وَمِمَّنْ قَرَأَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمٌ وَالأَعْمَشُ وَكَذَلِكَ أَجَازَهُ لَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَذَكَرَ لَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اخْتِيَارَهُ لِلْقِرَاءَةِ الآُولَى مِنْ ضَعْفٍ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ مَنْ اتَّبَعَهُ عَلَيْهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ لِلْمُلْتَقِطِ بِالإِشْهَادِ عَلَى مَا الْتَقَطَهُ وَفِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ مَا هُوَ‏؟‏

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ قَالَ‏:‏ ذَوَيْ عَدْلٍ ثُمَّ لاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّرْ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا‏,‏ وَإِلَّا فَمَالُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَهُوَ عَلَى الشَّكِّ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْمُلْتَقِطَ فِيهِ مِنْ إشْهَادِ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ لاَ عَلَى التَّخْيِيرِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ ذَيْنِك الصِّنْفَيْنِ شَاءَ وَهُوَ حَدِيثٌ يَدُورُ عَلَى خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ رُوَاتُهُ لَهُ عَنْهُ فِيهِ فَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَلَيْهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ‏,‏ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ تُعَرَّفُ وَلاَ تُغَيَّبُ وَلاَ تُكْتَمُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا‏,‏ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَاخْتَلَفَ شُعْبَةُ وَحَمَّادٌ فِي إسْنَادِ مَا ذَكَرْنَا فَذَكَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُطَرِّفٍ وَذَكَرَهُ حَمَّادٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَاخْتَلَفَا فِي مَتْنِهِ فَذَكَرَ فِيهِ شُعْبَةُ الإِشْهَادَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَمَّادٌ وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ يَرْجِعُ إلَى مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيدِ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ أَعْنِي حَدِيثَ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ فَاحْتَجْنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى حِفْظِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ مَا هِيَ‏.‏

فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّرْ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا‏,‏ وَإِلَّا فَمَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ‏.‏

وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ‏:‏ ثنا قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَلاَ يَكْتُمْ وَلاَ يُغَيِّبْ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ مِنْ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ هِيَ‏:‏ ذَوَا عَدْلٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ اللَّقِيطِ عِنْدَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ الْتِقَاطُهُ إيَّاهَا كَانَ لِيَذْهَبَ بِهَا فَيَكُونَ بِذَلِكَ مَذْمُومًا عِنْدَهُمْ سَاقِطَ الْعَدْلِ بِهِ‏.‏

وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ حِفْظُ اللُّقَطَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنْ يَكُونَ الْيَدُ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا بِالاِلْتِقَاطِ هِيَ يَدَ الْمُلْتَقِطِ طَالِبًا بِالْتِقَاطِهِ إيَّاهَا حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا لاَ يَدَ حَائِزٍ لَهَا أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ لاَ لِصَاحِبِهَا فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الأَيْدِي عَلَى الأَشْيَاءِ حُجَّةً يَجِبُ بِهَا صَرْفُ الأَشْيَاءِ إلَى مَا تُصْرَفُ إلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ مُلْكِ الأَيْدِي مِنْ قَبُولِ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا‏,‏ وَمِنْ صَرْفِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِمْ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَفِي مَوَارِيثِهِمْ وَفِي وَصَايَاهُمْ فَكَانَ حَقًّا عَلَى ذَوِي الأَيْدِي فِيمَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنْ يُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِمَالِكِي مَا صَارَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ بِالإِقْرَارِ بِهِ وَالإِشْهَادِ عَلَيْهِ‏;‏ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ مَا يَكُونُ اللَّقْطُ عَلَيْهِ مِنْ امْتِثَالِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَمِنْ مَنْعِ الْمَوَارِيثِ مِنْهَا وَصَرْفِهَا فِيمَا يُصْرَفُ فِيهِ مَا سِوَاهَا‏,‏ وَحَتَّى تَكُونَ مَحْفُوظَةً كَذَلِكَ‏,‏ وَحَتَّى يَكُونَ كُلُّ مَنْ وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا سِوَى مُلْتَقِطِهَا يَتَمَثَّلُ فِيهَا الْوَاجِبَ حَتَّى تَصِيرَ إلَى يَدِ رَبِّهَا أَوْ إلَى مَا سِوَاهَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ تَصِيرَ إلَيْهِ مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِيهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ فِي شَجَرِ مَكَّةَ وَفِي خَلاَهَا وَمِنْ قَوْلِ الْعَبَّاسِ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا وَقَفَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ إِلاَّ الإِذْخِرَ وَمِنْ قَوْلِهِ جَوَابًا بِكَلاَمِهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالُوا‏:‏ أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ‏:‏ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِيهِ الْقِتَالُ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ يَحِلُّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الإِذْخِرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ وَثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالاَ ثنا أَبُو يُوسُفَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَوَضَعَهَا بَيْنَ هَذَيْنِ الأَخْشَبَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يَرْفَعُ لَقْطَهَا إِلاَّ مُنْشِدُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لاَ غِنَى لأَهْلِ مَكَّةَ لِبُيُوتِهِمْ وَقُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الإِذْخِرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لاَ صَبْرَ لَهُمْ عَنْ الإِذْخِرِ فَقَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي‏,‏ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَقَالَ الْعَبَّاسُ وَكَانَ رَجُلاً مُجَرِّبًا فَقَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا وَلِقُبُورِنَا وَقُيُونِنَا فَقَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ الْكُوفِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاق عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ شَيْبَةَ قَالَتْ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يَأْخُذُ لُقَطَتَهَا إِلاَّ مُنْشِدٌ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِظُهُورِ الْبُيُوتِ وَالْقُبُورِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الإِذْخِرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ فِي خُطْبَتِهِ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْقَتْلَ هَكَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ‏,‏ فَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَتَّى إنَّهُ لاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الإِذْخِرَ‏.‏

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَكَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ رَاوِيهِ فَقَامَ الْعَبَّاسُ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحَجُونِ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إلَى اللهِ وَلَوْ أَنِّي لَمْ أُخْرَجْ مِنْك مَا خَرَجْتُ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلاَ تُلْتَقَطُ ضَالَّتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ شَاهٍ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ‏.‏

فَسَأَلَ سَائِلٌ عَمَّا أُضِيفَ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ إلَى الْعَبَّاسِ أَوْ إلَى مَنْ ذَكَرَ سِوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ شَجَرِ مَكَّةَ‏,‏ وَحُرْمَةَ خَلاَهَا إِلاَّ الإِذْخِرَ اسْتِثْنَاءً مِنْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ وَأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَارُّ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذِهِ الآثَارَ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةُ الْمَجِيءِ مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا‏,‏ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ أَوْ مِمَّنْ سِوَاهُ فِيهَا غَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ مِثْلِهِ‏,‏ وَأَنَّ تَرْكَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنْكَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنْكَرٍ أَيْضًا وَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ إذْ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَاجَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى الإِذْخِرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهَا فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ طَلَبَ مِنْهُ مُرَاجَعَةَ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا افْتَرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صَلاَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ التَّخْفِيفَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَدَّهَا إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَكَمَا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعَ فِي ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَدَّ إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكَانَ قَوْلُهُ إِلاَّ الإِذْخِرَ وَقَطْعُهُ الْكَلاَمَ عِنْدَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَرَادَهُ مِنْهُ مِنْ سُؤَالِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ فَغَنِيَ عَنْ الْكَلاَمِ بِهِ كَمَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ فِي كَلاَمِهَا لِلاِخْتِصَارِ السُّكُوتَ عَنْ الْكَلاَمِ بِهِ لِعِلْمِهَا بِفَهْمِ مَنْ تُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ مَا خَاطَبَتْهُ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ حَتَّى يَأْتُوا بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ وَيَتْرُكُوا بَقِيَّتَهَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَفَى بِالسَّيْفِ شَا يُرِيدُونَ شَاهِدًا حَتَّى تَعَالَى ذَلِكَ أَنْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى‏}‏ ثُمَّ قَطَعَ بَقِيَّةَ الْكَلاَمِ وَهُوَ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لَكَفَرُوا بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ وَتَرَكَ ذِكْرَ مَا كَانَ يَكُونُ لَوْلاَ فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ لِغِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ بِفَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ أَوْ مَنْ قَالَهُ سِوَاهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الإِذْخِرَ غَنِيَ عَنْ اسْتِتْمَامِ الْكَلاَمِ بِمَا أَرَادَ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَمَّا أَرَادَ‏.‏

فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ فَقَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِلاَ زَمَانٍ فِيمَا بَيْنَ السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْجَوَابِ يَكُونُ فِيهِ الْوَحْيُ لِذَلِكَ الْجَوَابِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ فِي لَطِيفِ قُدْرَةِ اللهِ، تَعَالَى، مَجِيءَ الْوَحْيِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ حَيْثُ لاَ نَعْقِلُ نَحْنُ مَجِيءَ مِثْلِهِ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَا كَانَ بِإِلْقَاءِ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ‏:‏ لِلَّذِي سَأَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ‏:‏ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْك دَيْنٌ كَذَلِكَ قَالَ‏:‏ لِي جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُضُورِ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم جَوَابَهُ الأَوَّلَ وَقَوْلُهُ مَا قَالَهُ‏:‏ لِسَائِلِهِ جَوَابًا ثَانِيًا‏,‏ وَإِذَا كُنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى، مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ فِي وَقْتِ مُهَاجَاتِهِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ اُهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ وَإِذَا كَانَ جِبْرِيلُ لِمُهَاجَاتِهِ قُرَيْشًا مَعَ حَسَّانَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَوْنِهِ مَعَهُ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي يُخْبِرُ النَّاسَ فِيهَا عَنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ وَبِفَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى وَبِكَوْنِ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحْرَى فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ مُنْكِرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ هَذَا الْجَاهِلُ بِآثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏